فصل: قال الجصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الصفة الثانية: قوله: {والذين هُم بآيات رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ} واعلم أن آيات الله تعالى هي المخلوقات الدالة على وجوده، والإيمان بها هو التصديق بها، والتصديق بها إن كان بوجودها فذلك معلوم بالضرورة، وصاحب هذا التصديق لا يستحق المدح، وإن كان بكونها آيات ودلائل على وجود الصانع فذلك مما لا يتوصل إليه إلا بالنظر والفكر، وصاحبه لابد وأن يصير عارفًا بوجود الصانع وصفاته، وإذا حصلت المعرفة بالقلب حصل الإقرار باللسان ظاهرًا وذلك هو الإيمان.
الصفة الثالثة: قوله: {والذين هُم بِرَبّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ} وليس المراد منه الإيمان بالتوحيد ونفي الشريك لله تعالى لأن ذلك داخل في قوله: {والذين هُم بآيات رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ} بل المراد منه نفي الشرك الخفي، وهو أن يكون مخلصًا في العبادة لا يقدم عليها إلا لوجه الله تعالى وطلب رضوانه والله أعلم.
الصفة الرابعة: قوله: {والذين يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} معناه يعطون ما أعطوا فدخل فيه كل حق يلزم إيتاؤه سواء كان ذلك من حق الله تعالى: كالزكاة والكفارة وغيرهما، أو من حقوق الآدميين: كالودائع والديون وأصناف الإنصاف والعدل، وبين أن ذلك إنما ينفع إذا فعلوه وقلوبهم وجلة، لأن من يقدم على العبادة وهو وجل من تقصيره وإخلاله بنقصان أو غيره، فإنه يكون لأجل ذلك الوجل مجتهدًا في أن يوفيها حقها في الأداء.
وسألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: {والذين يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق وهو على ذلك يخاف الله تعالى؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «لا يا ابنة الصديق، ولكن هو الرجل يصلي ويصوم ويتصدق وهو على ذلك يخاف الله تعالى».
واعلم أن ترتيب هذه الصفات في نهاية الحسن، لأن الصفة الأولى دلت على حصول الخوف الشديد الموجب للاحتراز عما لا ينبغي.
والصفة الثانية: دلت على ترك الرياء في الطاعات.
والصفة الثالثة: دلت على أن المستجمع لتلك الصفات الثلاثة يأتي بالطاعات مع الوجل والخوف من التقصير، وذلك هو نهاية مقامات الصديقين رزقنا الله سبحانه الوصول إليها، فإن قيل: أفتقولون إن قوله: {وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} يرجع إلى يؤتون، أو يرجع إلى كل ما تقدم من الخصال؟ قلنا بل الأولى أن يرجع إلى الكل لأن العطية ليست بذلك أولى من سائر الأعمال، إذ المراد أن يؤدي ذلك على وجل من تقصيره، فيكون مبالغًا في توفيته حقه، فأما إذا قرئ {والذين يَأْتُونَ مَا ءاتَواْ} فالقول فيه أظهر، إذ المراد بذلك أي شيء أتوه وفعلوه من تحرز عن معصية وإقدام على إيمان وعمل، فإنهم يقدمون عليه مع الوجل، ثم إنه سبحانه بين علة ذلك الوجل وهي علمهم بأنهم إلى ربهم راجعون، أي للمجازاة والمساءلة ونشر الصحف وتتبع الأعمال، وأن هناك لا تنفع الندامة، فليس إلا الحكم القاطع من جهة مالك الملك.
ثم إنه سبحانه لما ذكر هذه الصفات للمؤمنين المخلصين قال بعده: {أُوْلَئِكَ يسارعون في الخيرات} وفيه وجهان: أحدهما: أن المراد يرغبون في الطاعات أشد الرغبة فيبادرونها لئلا تفوت عن وقتها ولكيلا تفوتهم دون الاحترام.
والثاني: أنهم يتعجلون في الدنيا أنواع النفع ووجوه الإكرام، كما قال: {فاتاهم الله ثَوَابَ الدنيا وَحُسْنَ ثَوَابِ الأخرة} [آل عمران: 148].
{وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين} [العنبكوت: 27] لأنهم إذا سورع لهم بها فقد سارعوا في نيلها وتعجلوها، وهذا الوجه أحسن طباقًا للآية المتقدمة، لأن فيه إثبات ما نفي عن الكفار للمؤمنين وقرئ يسرعون في الخيرات.
أما قوله: {وَهُمْ لَهَا سابقون} فالمعنى فاعلون السبق لأجلها أو سابقون الناس لأجلها أو وهم لها سابقون أي ينالونها قبل الآخرة حيث عجلت لهم في الدنيا، ويجوز أن يكون خبرًا بعد خبر.
والمعنى وهم لها كما يقال أنت لها وهي لك، ثم قال سابقون أي وهم سابقون. اهـ.

.قال الجصاص:

قَوْله تعالى: {وَاَلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} الْآيَةَ.
رَوَى وَكِيعٌ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ {الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أَهُوَ الرَّجُلُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُ؟ قَالَ: «لَا يَا عَائِشَةُ وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ وَيَخَافُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ».
وَرَوَى جَرِيرٌ عَنْ لَيْثٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: {يُؤْتُونَ مَا آتَوْا} قَالَ: الزَّكَاةُ.
وَيُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: لَقَدْ أَدْرَكْت أَقْوَامًا كَانُوا مِنْ حَسَنَاتِهِمْ أَنْ تُرَدَّ عَلَيْهِمْ أَشْفَقَ مِنْكُمْ عَلَى سَيِّئَاتِكُمْ أَنْ تُعَذَّبُوا عَلَيْهَا.
قَوْله تعالى: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} الْخَيْرَاتُ هُنَا الطَّاعَاتُ يُسَارِعُ إلَيْهَا أَهْلُ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَيَجْتَهِدُونَ فِي السَّبْقِ إلَيْهَا رَغْبَةً فِيهَا وَعِلْمًا بِمَا لَهُمْ بِهَا مِنْ حُسْنِ الْجَزَاءِ، وَقوله: {وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَبَقَتْ لَهُمْ السَّعَادَةُ. وَقَالَ غَيْرُهُ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرَاتِ سَابِقُونَ إلَى الْجَنَّةِ. وَقَالَ آخَرُونَ وَهُمْ إلَى الْخَيْرَاتِ سَابِقُونَ. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ}.
فيه وجهان:
أحدهما: يعني الزكاء.
الثاني: أعمال البر كلها.
{وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أي خائفة. قال بعض أصحب الخواطر: وجل العارف من طاعته أكثر من وجِلِه من مخالفته لأن المخالفة تمحوها التوبة، والطاعة تطلب لتصحيح الغرض.
{أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} فيه وجهان: أحدهما: يخافون ألا ينجوا من عذابه إذا قدموا عليه.
الثاني: يخافون أن لا تقبل أعمالهم إذا عرضت عليهم. روته عائشة مرفوعًا.
قوله عز وجل: {أُوْلئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} يحتمل وجهين:
أحدهما: يستكثرون منها لأن المسارع مستكثر.
الثاني: يسابقون إليها لأن المسارع سابق.
{وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} فيه وجهان: أحدهما: وهم بها سابقون إلى الجنة.
الثاني: وهم إلى فعلها سابقون.
وفيه وجه ثالث: وهم لمن تقدمهم من الأمم سابقون، قاله الكلبي. اهـ.

.قال ابن عطية:

{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57)}.
لما فرغ ذكر الكفرة وتوعدهم عقب ذلك ذكر المؤمنين ووعدهم وذكرهم بأبلغ صفاتهم، و الإشفاق أبلغ التوقع والخوف، و{من}، في قوله: {من خشية} هي لبيان جنس الإشفاق، والإشفاق إنما هو من عذا ب الله، و{من}، في قوله: {من عذاب} هي لابتداء غاية و الآيات تعم القرآن وتعم العبر والمصنوعات التي لله وغير ذلك مما فيه نظر واعتبار وفي كل شيء له آية، ثم ذكرهم تعالى من الطرف الآخر وهو نفي الإشراك لأن لكفار قريش أن يقولوا ونحن نؤمن بآيات ربنا ويريدون نصدق بأنه المخترع الخالق فذكر تعالى نفي الإشراك الذي لا حظ لهم فيه بسبب أصنامهم، وقوله: {والذين يؤتون ما آتوا} على قراءة الجمهور، يعطون ما أعطوا وقال الطبري: يريد الزكاة المفروضة وسائر الصدقة، وروي نحوه عن ابن عمر ومجاهد ع وإنما ضمهم إلى هذا التخصيص أن العطاء مستعمل في المال على الأغلب، قال ابن عباس وابن جبير: هو عام في جميع أعمال البر، وهذا أحسن كأنه قال: والذين يعطون من أنفسهم في طاعة الله ما بلغه جهدهم، وقرأت عائشة أم المؤمنين وابن عباس وقتادة والأعمش {يأتون ما أتوا} ومعناه يفعلون ما فعلوا ورويت هذه القراءة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذهبت فرقة إلى أن معناه من المعاصي، وذهبت فرقة إلى أن ذلك في جميع الأعمال طاعتها ومعصيتها وهذا أمدح، وأسند الطبري عن عائشة أنها قالت يا رسول الله قوله تعالى: {يؤتون ما آتوا} هي في الذي يزني ويسرق قال «لا يا بنت أبي بكر بل هي في الرجل يصوم ويتصدق وقلبه وجل يخاف أن لا يتقبل منه».
قال القاضي أبو محمد: ولا نظر مع الحديث، و الوجل نحو الإشفاق والخوف وصورة هذا الوجل أما المخلط فينبغي أن يكون أبدًا تحت خوف من أن يكون ينفذ عليه الوعيد بتخليطه، وأما التقي والتائب فخوفه أمر الخاتمة وما يطلع عليه بعد الموت، وفي قوله تعالى: {أنهم إلى ربهم راجعون} تنبيه على الخاتمة، وقال الحسن: معناه الذين يفعلون ما يفعلون من البر ويخافون أن لا ينجيهم ذلك من عذاب ربهم ع وهذه عبارة حسنة، وروي عن الحسن أيضًا أنه قال: المؤمن يجمع إحسانًا وشفقة والمنافق يجمع إساءة وأمنًا، وقرأ الجمهور: {أنهم} بفتح الألف والتقدير بأنهم أو لأنهم أو من أجل أنهم ويحتمل أن يكون قوله: {وجلة} عاملة في أن من حيث إنها بمعنى خائفة.
وقرأ الأعمش إنهم بالكسر على إخبار مقطوع في ضمنه تخويف، ثم أخبر تعالى عنهم بأنهم يبادرون إلى فعل الخيرات، وقرأ الجمهور: {يسارعون} وقرأ الحر النحوي يسرعون وأنهم إليها سابقون، وهذا قول بعضهم في قوله: {لها} وقالت فرقة: معناه وهم من أجلها سابقون، فالسابق على هذا التأويل هو إلى رضوان الله تعالى وعلى الأول هو إلى الخيرات، وقال الطبري عن ابن عباس: المعنى سبقت لهم السعادة في الأزل فهم لها ورجحه الطبري بأن اللام متمكنة في المعنى. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

ثم ذكر المؤمنين فقال: {إِنَّ الذين هم من خَشية ربِّهم مُشْفِقُون}.
وقد شرحنا هذا المعنى في قوله: {وهم من خشيته مشفقون} [الانبياء: 28].
قوله تعالى: {والذين يُؤتُون ما آتَوا} وقرأ عاصم الجحدري: {يأتون ما أتوا} بقصر همزة {أتوا}.
وسَألتْ عائشةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقالت: يا رسول الله، أهم الذين يُذنبون وهم مشفقون؟ فقال: «لا، بل هم الذين يصلُّون وهم مشفقون، ويصومون وهم مشفقون، ويتصدَّقون وهم مشفقون أن لا يُتقبَّل منهم» قال الزجاج: فمعنى {يؤتون}: يُعطون ما أَعْطَوا وهم يخافون أن لا يُتقبَّل منهم، {أنهم إِلى ربِّهم راجعون} أي: لأنهم يوقنون أنهم يرجعون.
ومعنى يَأتون: يعملون الخيرات وقلوبهم خائفة أن يكونوا مع اجتهادهم مقصِّرين، {أولئك يسارعون في الخيرات} وقرأ أبو المتوكل، وابن السميفع: {يُسْرِعون} برفع الياء وإسكان السين وكسر الراء من غير ألف.
قال الزجاج: يقال: أسرعت وسارعت في معنى واحد، إِلا أن سارعت أبلغ من أسرعت، {وهم لها} أي: من أجلها، وهذا كما تقول: أنا أُكرم فلانًا لك، أي: من أجلك.
وقال بعض أهل العلم: الوجل المذكور هاهنا واقع على مُضْمَر. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِنَّ الذين هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ}.
لما فرغ من ذكر الكفرة وتوعّدهم عقّب ذلك بذكر المؤمنين المسارعين في الخيرات ووعدهم، وذكر ذلك بأبلغ صفاتهم.
و{مُّشْفِقُونَ} خائفون وجِلون مما خوّفهم الله تعالى.
{والذين هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ والذين هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ والذين يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} قال الحسن: يؤتون الإخلاص ويخافون ألا يقبل منهم.
وروى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية {والذين يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} قالت عائشة: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: «لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدّقون وهم يخافون ألا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات». وقال الحسن: لقد أدركنا أقوامًا كانوا من حسناتهم أن ترد عليهم أشفق منكم على سيئاتكم أن تعذبوا عليها.
وقرأت عائشة رضي الله عنها وابنُ عباس والنَّخَعِيّ {والذين يأتون ما أتوا} مقصورًا من الإتيان.
قال الفرّاء: ولو صحت هذه القراءة عن عائشة لم تخالف قراءة الجماعة؛ لأن الهمز من العرب من يلزم فيه الألف في كل الحالات إذا كتب؛ فيكتب سُئل الرجل بألف بعد السين، ويستهزئون بألف بين الزاي والواو، وشيءٌ وشيٍ بألف بعد الياء، فغير مستنكر في مذهب هؤلاء أن يكتب {يؤتون} بألف بعد الياء، فيحتمل هذا اللفظ بالبناء على هذا الخط قراءتين {يؤتون ما آتوا} و{يأتون ما أتوا}.
وينفرد ما عليه الجماعة باحتمال تأويلين: أحدهما: والذين يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقة وقلوبهم خائفة.
والآخر: والذين يؤتون الملائكة الذين يكتبون الأعمال على العباد ما آتوا وقلوبهم وجلة؛ فحُذِف مفعولٌ في هذا الباب لوضوح معناه؛ كما حذف في قوله عز وجل: {فِيهِ يُغَاثُ الناس وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف: 49] والمعنى يعصرون السمسم والعنب؛ فاختزِل المفعول لوضوح تأويله.
ويكون الأصل في الحرف على هجائه الموجود في الإمام {يأتون} بألف مبدلة من الهمزة فكتبت الألف واوًا لتآخي حروف المد واللين في الخفاء؛ حكاه ابن الأنباري.
قال النحاس: المعروف من قراءة ابن عباس {والذين يأتون ما أتوا} وهي القراءة المروية عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وعن عائشة رضي الله عنها، ومعناها يعملون ما عملوا؛ كما رُوي في الحديث.
والوجَل نحو الإشفاق والخوف؛ فالتقِيّ والتائب خوْفه أمر العاقبة وما يطلع عليه بعد الموت.
وفي قوله: {أَنَّهُمْ إلى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} تنبيه على الخاتمة.
وفي صحيح البخاري: «وإنما الأعمال بالخواتيم» وأما المخلِّط فينبغي له أن يكون تحت خوفٍ من أن ينفَّذ عليه الوعيد بتخليطه.
وقال أصحاب الخواطر: وَجَل العارف مِن طاعته أكثر وجلًا من وجله من مخالفته؛ لأن المخالفة تمحوها التوبة، والطاعة تطلب بتصحيح الغرض.
{أَنَّهُمْ} أي لأنهم، أو من أجل {أنهم إلى ربهم راجعون}.
قوله تعالى: {أولئك يُسَارِعُونَ فِي الخيرات} أي في الطاعات، كي ينالوا بذلك أعلى الدرجات والغرفات.
وقرئ {يُسْرِعون} في الخيرات، أي يكونون سراعًا إليها.
ويسارعون على معنى يسابقون من سابقهم إليها؛ فالمفعول محذوف.
قال الزجاج: يسارعون أبلغ من يسرعون.
{وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} أحسن ما قيل فيه: أنهم يسبقون إلى أوقاتها.
ودلّ بهذا أن الصلاة في أوّل الوقت أفضل؛ كما تقدم في البقرة.
وكل من تقدم في شيء فهو سابق إليه، وكل من تأخر عنه فقد سبقه وفاته؛ فاللام في {لها} على هذا القول بمعنى إلى؛ كما قال: {بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا} [الزلزلة: 5] أي أوحى إليها.
وأنشد سيبويه:
تَجَانَفُ عن جَوّ اليمامة ناقتي ** وما قصدَتْ من أهلها لسَوائكا

وعن ابن عباس في معنى {وهم لها سابقون} سبقت لهم من الله السعادة؛ فلذلك سارعوا في الخيرات.
وقيل: المعنى وهم من أجل الخيرات سابقون. اهـ.